الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.فوائد لغوية وإعرابية: .قال السمين: سورة نوح عليه السلام:{إِنّا أرْسلْنا نُوحا إِلى قوْمِهِ أنْ أنْذِرْ قوْمك مِنْ قبْلِ أنْ يأْتِيهُمْ عذابٌ ألِيمٌ (1)}قوله: {أنْ أنذِرْ}: يجوزُ أنْ تكون المفسِّرة، وأنْ تكون المصدرية أي: أرْسلْناه بالإِنذار. وقال الزمخشري: والمعنى: أرْسلْناه بأنْ قُلْنا له: أنْذِرْ أي: أرْسلْناه بالأمرِ بالإِنذار. انتهى. وهذا الذي قدّره حسنٌ جدا، وهو جوابٌ عن سؤالٍ قدّمْتُه في هذا الموضوع: وهو أنّ قولهم: (أن) أنْ المصدرية يجوزُ أنْ تتوصّل بالأمرِ. مُشْكِلٌ؛ لأنه ينْسبِكُ منها وممّا بعدها مصدرٌ، وحينئذٍ فتفوتُ الدلالةُ على الأمرِ. ألا ترى أنك إذا قدّرْت في كتبْتُ إليه بأنْ قُمْ: كتبْتُ إليه القيام، تفوتُ الدلالةُ على الأمرِ حال التصريحِ بالأمر، فينبغي أنْ يُقدّر كما قاله الزمخشريُّ أي: كتبتُ إليه بأنْ قلتُ له: قُمْ، أي: كتبتُ إليه بالأمرِ بالقيام.{أنِ اعْبُدُوا اللّه واتّقُوهُ وأطِيعُونِ (3)}قوله: {أنِ اعبدوا}: إمّا أنْ تكون تفسيرية ل {نذير}، أو مصدرية، والكلامُ فيها كما تقدّم في أختها.{يغْفِرْ لكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ويُؤخِّرْكُمْ إِلى أجلٍ مُسمّى إِنّ أجل اللّهِ إِذا جاء لا يُؤخّرُ لوْ كُنْتُمْ تعْلمُون (4)}قوله: {مِّن ذُنُوبِكُمْ}: في (من) هذه أوجهٌ، أحدُها: أنّها تبعيضيةٌ. والثاني: أنها لابتداءِ الغايةِ. والثالث: أنها لبيانِ الجنسِ وهو مردودٌ لعدمِ تقدُّمِ ما تبيِّنُه. الرابع: أنها مزيدةٌ. قال ابن عطية: وهو مذهبٌ كوفيٌّ. قلت: ليس مذهبُهم ذلك؛ لأنهم يشْترطون تنكير مجْرورِها ولا يشْترطون غيره. والأخفشُ لا يشْترط شيئا، فزيادتُها هنا ماشٍ على قوله، لا على قولهم.قوله: {ويُؤخِّرْكُمْ إلى أجلٍ} قال الزمخشري: فإنْ قلت: كيف قال: {ويُؤخِّرْكم} مع إخبارِه بامتناعِ تأخيرِه؟ قلت: قضى اللّهُ أنّ قوم نوحٍ إنْ آمنوا عمّرهم ألف سنةٍ، وإن بقُوا على كُفْرِهم أهْلكهم على رأس تسعمِئة. فقيل لهم: إن آمنتم أُخِّرْتم إلى الأجلِ الأطولِ، ثم أخبرهم أنّه إذا جاء ذلك الأجلُ الأمدُّ لا يُؤخّرُ. انتهى. وقد تعلّق بهذه الآيةِ منْ يقول بالأجليْنِ. وتقدّم جوابُه. وقوله: {لوْ كُنتُمْ تعْلمُون} جوابُها محذوفٌ أي: لبادرْتُمْ إلى ما أمركم به.{وإِنِّي كُلّما دعوْتُهُمْ لِتغْفِر لهُمْ جعلُوا أصابِعهُمْ فِي آذانِهِمْ واسْتغْشوْا ثِيابهُمْ وأصرُّوا واسْتكْبرُوا اسْتِكْبارا (7)}قوله: {لِتغْفِر}: يجوزُ أنْ تكون للتعليل، والمدعُوُّ إليه محذوفٌ أي: دعوْتُهم للإِيمان بك لأجلِ مغفرتِك لهم، وأنْ تكون لامُ التعديةِ ويكونُ قد عبّر عن السببِ بالمُسبّبِ الذين هو جعْلُهم. والأصلُ: دعوْتُهم للتّوْبةِ التي هي سببٌ في الغُفْران. و{جعلوا} هو العاملُ في {كلما} وهو خبر {إنِّي}.قوله: {ليْلا ونهارا} ظرفان ل {دعوْت} والمرادُ الإِخبارُ باتصالِ الدعاءِ، وأنه لا يفْتُرُ عن ذلك. و{إلاّ فِرارا} مفعولٌ ثانٍ وهو استثناءٌ مُفرّغٌ.{ثُمّ إِنِّي دعوْتُهُمْ جِهارا (8)}قوله: {جِهارا}: يجوزُ أنْ يكون مصدرا من المعنى؛ لأنّ الدعاء يكونُ جهارا وغيره، فهو من باب: قعد القُرْفُصاء، وأنْ يكون المرادُ ب {دعوْتُهم}: جاهرْتُهم، وأنْ يكون نعت مصدرٍ محذوفٍ أي: دعاء جِهارا، وأنْ يكون مصدرا في موضعِ الحالِ أي: مُجاهِرا، أو ذا جِهارٍ، أو جُعِل نفس المصدرِ مبالغة. قال الزمخشريُّ: فإنْ قلت: ذكر أنّه دعاهم ليلا ونهارا، ثم دعاهم جِهارا، ثم دعاهم في السِّرِّ والعلنِ فيجب أنْ تكون ثلاث دعوات مختلفات حتى يصِحّ العطف. قلت: قد فعل عليه السلام كما يفْعلُ الذي يأْمُرُ بالمعروفِ وينْهى عن المنكر في الابتداءِ بالأهْونِ، والترقِّي في الأشدِّ فالأشُدِّ، فافتتح في المناصحةِ بالسِّرِّ، فلمّا لم يقْبلوا ثنّى بالمجاهرة، فلمّا لم يقْبلوا ثلّث بالجمْعِ بين الإسرار والإِعلان. ومعنى {ثم} الدلالةُ على تباعُدِ الأحوالِ، لأن الجِهار أغلظُ من الإِسرارِ، والجمعُ بين الأمريْن أغلظُ مِنْ إفرادِ أحدِهما. قال الشيخ: وتكرّر كثيرا له أنّ {ثُمّ} للاستبعادِ ولا نعْلمُه لغيرِه. قلت: هذا القول بعدما سمِعْت من ألفاظِ الزمخشريِّ تحامُلٌ عليه.{يُرْسِلِ السّماء عليْكُمْ مِدْرارا (11)}قوله: {مِّدْرارا}: يجوزُ أنْ يكون حالا من {السماء}، ولم يؤنّثْ لأنّ مِفْعالا لا يُؤنّثُ. تقول: امرأةٌ مئِنْاثٌ ومِذْكار، ولا يُؤنّثُ بالتاءِ إلاّ نادرا، وحينئذٍ يستوي فيه المذكرُ والمؤنثُ فتقول: رجلٌ مِجْذامةٌ ومِطْرابةٌ، وامرأة مِجْذامةٌ ومِطْرابةٌ، وأنْ تكون نعتا لمصدرٍ محذوفٍ أي: إرسالا مِدْرارا. وتقدّم الكلامُ عليه في الأنعام.{ما لكُمْ لا ترْجُون لِلّهِ وقارا (13)}قوله: {وقارا}: يجوزُ أنْ يكون مفعولا به على معانٍ، منها: ما لكم لا تأْمُلُوْن له توْقيرا أي: تعظيما. قال الزمخشري: والمعنى: ما لكم لا تكونون على حال تأمُلُون فيها تعظيم اللّهِ إياكم في دارِ الثواب؟ و{لله} بيانٌ للموقّرِ، ولو تأخّر لكان صلة. انتهى. أي: لو تأخِّر {لله} عن {وقارا} لكان متعلِّقا به، فيكونُ التوقيرُ منهم للّهِ تعالى، وهو عكسُ المعنى الذي قصده. ومنها: لا تخافون للّهِ حِلْما وترْك معاجلةٍ بالعقابِ فتؤمنوا. ومنها: لا تخافون لله عظمة. وعلى الأولِ يكون الرجاءُ على بابه، وقد تقدّم أنّ استعماله بمعنى الخوفِ مجازٌ أو مشتركٌ. وأن يكون حالا مِنْ فاعل {ترْجُون} أي: موقِّرين اللّه تعالى، أي تُعظِّمونه، ف {للّهِ} متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ {وقارا}، أو تكون اللامُ زائدة في المفعول به، وحسّنه هنا أمران: كوْنُ العاملِ فرْعا، وكونُ المعمولِ مقدّما، و{لا ترْجُون} حالٌ وتقدّم نظيرُه في المائدة.{وقدْ خلقكُمْ أطْوارا (14)}قوله: {وقدْ خلقكُمْ}: جملة حاليةٌ مِنْ فاعلِ {ترْجُون}. والأطْوارُ: الأحوالُ المختلفةُ. قال الشاعر:وانتصابُه على الحالِ أي: مُتنقِّلين من حالٍ إلى حالٍ، أو مختلِفين مِنْ بينِ مُسِيْءٍ ومُحْسِنٍ، وصالحٍ وطالحٍ.{ألمْ تروْا كيْف خلق اللّهُ سبْع سماواتٍ طِباقا (15)}قوله: {طِباقا}: تقدّم الكلامُ عليه في سورة المُلك. وقال مكي: وأجاز الفراء في غيرِ القرآن جرّ {طباق} على النعت ل {سماوات}، يعني أنه يجوزُ أنْ يكون صفة للعددِ تارة وللمعدودِ أخرى.{وجعل الْقمر فِيهِنّ نُورا وجعل الشّمْس سِراجا (16)}قوله: {فِيهِنّ}: أي: في السماواتِ، والقمرُ إنما هو في سماءٍ واحدةٍ منهنّ. قيل: هو في السماءِ الدنيا، وإنّما جاز ذلك؛ لأن بين السماواتِ ملابسة فصحّ ذلك. وتقول: (زيدٌ في المدينةِ) وإنما هو في زاويةٍ من زواياها.وقوله: {وجعل الشمس سِراجا} يُحتمل أنْ يكون التقديرُ: وجعل الشمس فيهِنّ، كما تقدّم. والشمس قيل: في الرابعةِ. وقيل: في الخامسةِ. وقيل: في الشتاءِ في الرابعة، وفي الصيف في السابعةِ. واللّهُ أعلمُ: أيُّ ذلك صحيحٌ.{واللّهُ أنْبتكُمْ مِن الْأرْضِ نباتا (17)}قوله: {نباتا}: إمّا أنْ يكون مصدرا ل أنْبت على حذْفِ الزوائِد، ويُسمّى اسم مصدرٍ، وإمّا ب (نبتُّمْ) مقدّرا: أي: فنبتُّمْ نباتا فيكونُ منصوبا بالمُطاوِعِ المقدّرِ. قال الزمخشري: أو نُصِب ب {أنْبتكم} لتضمُّنِه معنى نبتُّمْ. قال الشيخ: ولا أعْقِلُ معنى هذا الوجهِ الثاني. قلت: هذا الوجهُ هو الذي قدّمْتُه. وهو أنه منصوبٌ ب {أنْبتكم} على حذْفِ الزوائد. ومعنى قوله: لتضمُّنِه معنى نبتُّمْ. أي: إنه مُشتملٌ عليه، غايةُ ما فيه أنه حُذِفت زوائدُه، والإِنباتُ هنا استعارةٌ بليغةٌ.{لِتسْلُكُوا مِنْها سُبُلا فِجاجا (20)}قوله: {سُبُلا فِجاجا} وفي الأنبياء تقدّم الفِجاجُ لِتناسُبِ الفواصِلِ هنا. وقد تقدّم نحْوٌ مِنْ هذا.{قال نُوحٌ ربِّ إِنّهُمْ عصوْنِي واتّبعُوا منْ لمْ يزِدْهُ مالُهُ وولدُهُ إِلّا خسارا (21)}قوله: {وولدُهُ}: قد تقدّم خِلافُ القراء في {ولدِه} وتقدّم أنهما لغتان كبُخْل وبخل. قال أبو حاتم: يمكن أنْ يكون المضمومُ جمع المفتوحِ كخشبٍ وخُشْبِ. وأنشد لحسّان رضي الله عنه: {ومكرُوا مكْرا كُبّارا} (22)قوله: {ومكرُواْ}: عطف على صلةِ (من) وإنما جُمِع الضميرُ حمْلا على المعنى، بعد حمْلِه على لفظِها في {لّمْ يزِدْهُ مالُهُ وولدُهُ}، ويجوزُ أنْ يكون مستأنفا إخبارا عن الكفارِ.قوله: {كُبّارا} العامّةُ على ضمِّ الكافِ وتشديدِ الباء، وهو بناءُ مبالغةٍ أبلغُ مِنْ (كُبار) بالضمِّ والتخفيف، قال عيسى: هي لغةٌ يمانيةٌ، وأنشد: وقول الآخر: يقال: رجلٌ طُوّالٌ وحُمّالٌ وحُسّانٌ. وقرأ عيسى وأبو السمال وابن محيصن بالضمِّ والتخفيف، وهو بناءُ مبالغةٍ أيضا دون الأولِ، وقرأ زيدُ بنُ علي وابن محيصن أيضا بكسر الكاف وتخفيفِ الباء. قال أبو بكر: وهو جمعُ (كبير)، كأنه جعل {مكْرا} مكان (ذنوب) أو (أفاعيل) يعني فلذلك وصفه بالجمع.{وقالوا لا تذرُنّ آلِهتكُمْ ولا تذرُنّ ودّا ولا سُواعا ولا يغُوث ويعُوق ونسْرا (23)}قوله: {ولا تذرُنّ ودّا ولا سُواعا}: يجوزُ أنْ يكون مِنْ عطف الخاص على العام إنْ قيل: إنّ هذه الأسماء لأصنامٍ، وأن لا يكون إنْ قيل: إنها أسماءُ رجالٍ صالحين على ما ذُكر في التفسير. وقرأ نافع {وُدّا} بضم الواوِ، والباقون بفتحها، وأُنْشِد بالوجْهيْن قول الشاعر: وقول الآخر: قوله: {ولا يغُوث ويعُوق} قرأهما العامّةُ بغير تنوين. فإن كانا عربيّيْن فالمنعُ من الصرْف للعلميّةِ والوزن، وإن كانا أعجميّيْن فللعلميّةِ والعُجْمة. وقرأ الأعمش: {ولا يغُوْثا ويعُوْقا} مصورفيْن. قال ابن عطية: وذلك وهمٌ: لأنّ التعريف لازمٌ ووزن الفعل. انتهى. وليس بوهمٍ لأمريْن، أحدهما: أنه صرفهما للتناسُبِ، إذ قبله اسمان منصرفان، وبعده اسمٌ منصرفٌ، كما صُرِف {سلاسل}. والثاني: أنه جاء على لغةِ منْ يصْرِفُ غير المنصرِف مطلقا. وهي لغةٌ حكاها الكسائيُّ.ونقل أبو الفضل الصّرْف فيهما عن الأشهبِ العُقيْليِّ ثم قال: جعلهما فعُولا؛ فلذلك صرفهما، فأمّا في العامّة فإنهما صفتان من الغوْث والعوْق. قلت: وهذا كلامٌ مُشْكِلٌ. أمّا قوله: (فعُولا) فليس بصحيحٍ، إذ مادةُ (يغث) و(يعق) مفقودةٌ. وأمّا قوله: (صفتان من الغوْث والعوْق) فليس في الصفاتِ ولا في الأسماءِ (يفْعُل) والصحيحُ ما قدّمْتُه. وقال الزمخشري: وهذه قراءة مُشْكِلة؛ لأنهما إنْ كانا عربيّيْنِ أو أعجميّيْنِ ففيهما منْعُ الصّرْفِ، ولعله قصد الازدواج فصرفهما. لمصادفتِه أخواتِهما منصرفاتٍ: ودّا وسُوعا ونسْرا. قال الشيخ: كأنه لم يطّلعْ على أنّ صرْف ما لا ينصرفُ لغةٌ.{وقدْ أضلُّوا كثِيرا ولا تزِدِ الظّالِمِين إِلّا ضلالا (24)}قوله: {وقدْ أضلُّواْ}: أي الرؤساءُ أو الأصنامُ، وجمعهم جمْع العقلاءِ معاملة لهم معاملة العقلاء.قوله: {ولا تزِدِ} عطف على قوله: {رّبِّ إِنّهُمْ عصوْنِي} [نوح: 21] على حكايةِ كلامِ نوحٍ بعد {قال} وبعد الواوِ النائبةِ عنه، أي: قال: إنهم عصوْني، وقال: لا تزِدْ، أي: قال هذيْن القوليْن، فهما في محلِّ النصب، قاله الزمخشريُّ. قال: كقولك: قال زيدٌ: نودي للصلاة وصلِّ في المسجدِ، تحكي قوليْه معطوفا أحدُهما على صاحبِه. وقال الشيخ: {ولا تزِدْ} معطوف على {قد أضلُّوا} لأنها محكيّةٌ ب (قال) مضمرة، ولا يُشْترط التناسُبُ في الجملِ المتعاطفةِ، بل تعطف خبرا على طلبٍ، وبالعكس، خلافا لمنْ اشترطه.{مِمّا خطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فأُدْخِلُوا نارا فلمْ يجِدُوا لهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أنْصارا (25)}قوله: {مِّمّا خطيائاتهم}: (ما) مزيدةٌ بين الجارِّ ومجرورِه توكيدا. ومنْ لم ير زيادتها جعلها نكرة، وجعل {خطيئاتِهم} بدلا، وفيه تعسُّفٌ. وتقدّم الخلافُ في قراءة {خطِيْئاتِهم} في الأعراف. وقرأ أبو رجاء {خطِيّاتهم} جمع سلامةٍ، إلاّ أنّه أدْغم الياء في الياءِ المنقلبةِ عن الهمزةِ. والجحدريُّ وتُرْوى عن أُبيّ {خطيئتِهم} بالإِفراد والهمز. وقرأ عبد الله {مِنْ خطيئاتِهم ما أُغْرِقوا} فجعل (ما) المزيدة بين الفعلِ وما يتعلّق به. و(من) للسببيّةِ تتعلّقُ ب {أُغْرِقوا}. قال ابن عطية: لابتداء الغاية، وليس بواضح. وقرأ العامّةُ {أُغرِقوا} مِنْ أغْرق. وزيد بن علي {غُرِّقوا} بالتشديدِ، وكلاهما للنّقْلِ. تقول: أغرقْتُ زيدا في الماء، وغرّقْتُه فيه.قوله: {فأُدْخِلُواْ} يجوز أنْ يكون من التعبيرِ عن المستقبلِ بالماضي، لتحقُّقِ وقوعِه، نحو: {أتى أمْرُ الله} [النحل: 1] وأنْ يكون على بابِه، والمرادُ عرْضُهم على النار في قبورِهم، كقوله في آلِ فرعون: {النار يُعْرضُون عليْها غُدُوّا وعشِيّا} [غافر: 46].{وقال نُوحٌ ربِّ لا تذرْ على الْأرْضِ مِن الْكافِرِين ديّارا (26)}قوله: {ديّارا}: قال الزمخشري: ديّار من الأسماءِ المستعملةِ في النفيِ العامِّ. يقال: (ما بالدار ديّارٌ وديُّورٌ)، كقيّام وقيُّوم. وهو فيْعال من الدُّور أو مِنْ الدار. أصلُه ديْوار ففُعِل به ما يُفْعلُ بأصلِ سيِّد وميّت، ولو كان فعّالا لكان دوّارا. انتهى. يعني أنه كان ينبغي أنْ تصِحّ واوُه ولا تُقْلب ياء. وهذا نظيرُ ما تقدّم له من البحثِ في (متحيِّز)، وأنّ أصله مُتحيْوِز مُتفيْعِل، لا مُتفعِّل، إذ كان يلزمُ أنْ يكون مُتحوِّزا، لأنه من الحوْز. ويقال أيضا. فيه دوّار نحو: قيّام وقوّام.وقال مكي: وأصلُه ديْوار، ثم أدْغموا الواو في الياءِ مثل (ميِّت) أصلُه ميْوِت، ثم أدْغموا الثاني في الأولِ. ويجوز أنْ يكون أبْدلوا من الواوِ ياء، ثم أدغموا الياء الأولى في الثانية. قلت: قوله: أدغموا الثاني في الأول. هذا لا يجوزُ؛ إذ القاعدةُ المستقرةُ في المتقاربيْنِ قلْبُ الأولِ للثاني، ولا يجوزُ العكسُ إلاّ شذوذا، أو لضرورةٍ صناعيةٍ. أمّا الشذوذُ فكقراءة: (واذكر) [يوسف: 45] بالذالِ المعجمةِ و{فهلْ مِن مُّذّكِرٍ} [القمر: 15] بالمعجمةِ أيضا. وقد مضى تحقيقُه. وأمّا الضرورةُ الصناعيةُ فنحو: (امدحْ هِلالا) بقلْبِ الهاءِ حاء؛ لئلا يُدْغم الأقوى في الأضعفِ، وهذا يعْرِفُه منْ عانى التصريف.{ربِّ اغْفِرْ لِي ولِوالِديّ ولِمنْ دخل بيْتِي مُؤْمِنا ولِلْمُؤْمِنِين والْمُؤْمِناتِ ولا تزِدِ الظّالِمِين إِلّا تبارا (28)}قوله: {رّبِّ اغفر لِي ولِوالِديّ}: العامّةُ على فتحِ الدال على أنه تثنيةُ (والِد) يريد أبويْه. وقرأ الحسن بن علي رضي الله عنهما ويحيى بن يعمر والنخعي {ولولديّ} تثنية (ولد) يعني ابنيْه ساما وحاما. وقرأ ابن جبير والجحدريُّ {ولوالِدِيْ} بكسر الدال يعني أباه، فيجوزُ أن يكون أراد أباه الأقرب الذي ولده، وخصّه بالذِّكْر لأنه أشرفُ من الأم، وأنْ يريد جميع منْ ولده مِنْ لدُنْ آدم عليه السلام إلى منْ ولده. و{مؤمنا} حالٌ و{تبارا} مفعولٌ ثانٍ، والاستثناءُ مفرغٌ. والتبار: الهلاكُ، وأصلُه من التكسُّر والتفتُّتِ. وقد تقدّم تحقيق ذلك وللّهِ الحمدُ والمِنّةُ. اهـ. .قال مجد الدين الفيروزابادي: بصيرة في البيت:وقد ورد في القرآن على خمسة عشرة وجها.الأوّل: بمعنى المنازل والمساكن: {يا أيُّها الّذِين آمنُواْ لا تدْخُلُواْ بُيُوتا غيْر بُيُوتِكُمْ} وقال: {مِن بُيُوتِكُمْ أوْ بُيُوتِ آبآئِكُمْ} {لا تدْخُلُواْ بُيُوت النّبِيِّ}.الثانى: بمعنى الخانات ومنازل الرفاق {لّيْس عليْكُمْ جُناحٌ أن تدْخُلُواْ بُيُوتا غيْر مسْكُونةٍ} {فإِذا دخلْتُمْ بُيُوتا فسلِّمُواْ على أنفُسِكُمْ}.الثالث: بمعنى المساجد، ومواضع العبادة: {واجْعلُواْ بُيُوتكُمْ قِبْلة}، {فِي بُيُوتٍ أذِن اللّهُ أن تُرْفع}.الرّابع: بمعنى سفينة نوحٍ: {ولِمن دخل بيْتِي مُؤْمِنا}.الخامس: بمعنى الكعْبة: {وطهِّرْ بيْتِي لِلطّآئِفِين}، {وإِذْ جعلْنا الْبيْت مثابة لِّلنّاسِ}، {إِنّ أوّل بيْتٍ}.السّادس: بمعنى غُرف الكرامة {ربِّ ابْنِ لِي عِندك بيْتا فِي الْجنّةِ}.السابع: بمعنى حُجُرات النبوّة: {وقرْن فِي بُيُوتِكُنّ} {واذْكُرْن ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنّ}.الثّامن: بمعنى المحابس: {فأمْسِكُوهُنّ فِي الْبُيُوتِ} أى في السّجون.التّاسع: بمعنى أعشاش الزنابير {أنِ اتّخِذِي مِن الْجِبالِ بُيُوتا}.العاشر: بمعنى الخيام من الجلود: {وجعل لكُمْ مِّن جُلُودِ الأنْعامِ بُيُوتا}.الحادى عشر: بمعنى الغِيران في الجبال: {وتنْحِتُون مِن الْجِبالِ بُيُوتا}.الثانى عشر: بمعنى الدُّور المعروفة: {ومن يخْرُجْ مِن بيْتِهِ مُهاجِرا}.الثالث عشر: بمعنى المِلْك: {وراودتْهُ الّتِي هُو فِي بيْتِها عن نّفْسِهِ} أى في مِلكها قاله الضحّاك عن ابن عباس.الرّابع عشر: بمعنى الضُراح في السّماءِ: {والْبيْتِ الْمعْمُورِ}.الخامس عشر: بمعنى بيت النبوّة: {إِنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِب عنكُمُ الرِّجْس أهْل الْبيْتِ} قال:والبيت أيضا: الشرف، والبيت: الشريف، والبيت: القبر. وجمع البيت أبيات وبيوت. وجمع الجمع أباييت، وبيوتات، وأبياوات، وتصغيره بُييْتٌ، وبِييْت. ولا تقُل: بُويت. وامرأة مُتبيّتةٌ: أصابت بيتا وبعلا. اهـ.
|